من اليد الخفية إلى اليد السحرية..
الدكتور محمد إسحاق الكنتي
في تنظيره الاقتصادي يذهب آدم اسميث إلى أن هناك “يد خفية” هي التي تحرك أصحاب المصالح الشخصية ليحققوا، عبر مبادرتهم الفردية، المصالح العامة. لم يكن الأسكتلاندي شذوذا بين العقلانيين، إذ لا يكاد نسق عقلاني يخلو من “لامعقول” ينهض فيه بدور محوري، مثل المحرك الذي لا يتحرك عند أرسطو، والانتخاب الطبيعي عند دارون… يد آدم اسميث الخفية، هي اليد الإلهية عند المؤمنين عموما. لكن فيلسوف الأخلاق تحرج من اللجوء إلى إله لا يعترف له بدور فاعل؛ فقد كان من المؤلهين. فاكتفى بإطلاق “اليد الخفية”.
بخلاف آدم اسميث، لم يتحرج ماردونا من نسبة يده “الآثمة” إلى الله حين سجل بها هدفا في مرمى الإنجليز. لكن المفارقة هي أن هذه “اليد الإلهية” كانت تحمل وشم تشي غيفارا!!
بعد ظهور “اليد الخفية” في اسكوتلاندا، و”اليد الإلهية” في المكسيك ظهرت “اليد السحرية” في موريتانيا. امتازت “يدنا” بأنها ليست وليدة تفكير فيلسوف منظر، ولا هي ومضة لاعب عبقري يثأر لوطنه، وإنما كانت “تغطية” من موقع إخباري لحدث محرج لتنظيم، لذلك كانت “فوق أيديهم”…
“عثر بسقف مبنى البنك المركزي الموريتاني على ما وصف بأنه “سحر في يد ميت”، وذلك أثناء أشغال تجري حاليا في المبنى.
وقال مصدر للأخبار إن اليد البشرية عثر عليها عمال بناء أثناء عملية ترميم لمواقع مختلفة من المبنى.
ويتوقع أن يتم فتح تحقيق قضائي في الواقعة.”
نشر هذا “الخبر”، كما هو مبين في الموقع، يوم 2 مارس 2023 الساعة 10:58، في خضم جدل واسع حول كاف من “بُسير”، ضنا بقرائح العلماء عن “بوسوير”. وتنديد واسع باعتذار الشيخ عن فتوى تدين التبذير، نزّلها بعض “المغرضين” على الأشراف، وهي خاصة، كما بين صاحبها، بالأطراف مدشنا بذلك “فقه الشرائح”.
تلقفت مواقع التنظيم الدولية “الخبر”، فكتبت القدس العربي: “لقد شغل هذا الخبر جميع الناس وروّع الكل، وخاصة لكون الأمر يتعلق بيد بشرية ملفوفة في قمقم سحري، ,,.” وكما هي طبيعة الشائعات صنعت القدس للخبر قمقما، وركزت على طابعه “المروع” إمعانا في شد الانتباه. ولترسيخ الإشاعة أكثر، أوردت القدس تكذيب شركة الأشغال بصياغة تدعو إلى صرف النظر عنه “ونشرت وكالة “سكوب ميديا” المستقلة تكذيباً من الشركة المشرفة على ترميم المبنى، نفت فيه اكتشاف أي سحر في المبنى الذي تتولى ترميمه، لكن الكثيرين تمسّكوا بالرواية المؤكدة لاكتشاف السحر داخل مبنى البنك.” واستشهدت بتدوينات تستثمر الشائعة في بورصة مواقع التواصل الاجتماعي. وأعاد موقع عربي21 نشر الخبر بنفس صياغة القدس العربي، فالعصا من العصية.
نعلم جميعا أن “الخبر” لا أساس له، وإنما اختلق لصرف نظر المدونين عن الشيخ في إبداعه وابتداعه. وسكتت الهابا عن “نشر أخبار كاذبة”، ولسان حالها: “لو غير الأخبار نشرها!” وعمل السحر عمله فاشتغل الناس “بغير هذا”، كما نصحهم جميل في إساءة الغرس… نذكر بأن إعلام الجماعة من أصحاب السوابق في نشر الأخبار الكاذبة: تمزيق المصحف أنموذجا.
واليوم يصنع نفس الإعلام “خبرا جديدا” بالصوت والصورة، عن محاولة اعتداء على فضيلته في العشر الأواخر وهو قائم يصلي التهجد في الثلث الأخير من الليل حيث تعظم القربات ويستجاب الدعاء. يا خيل الله اركبي! غير أن الصورة لم تكن في مستوى الحدث: شاب تخطى الصفوف، في يده نعليه، جلس خلف الشيخ وأسند ظهره لسارية، فترك ثلاثة رهط الصلاة ليهاجموه، فكبله أحدهم… ثم ظهر جالسا بهدوء و”شلولخ” يرقبه. استمرت الصلاة في هدوء. حتى إذا انقضت الصلاة أحاط أفراد الحماية بالرجل والشيخ جالس في مصلاه، لم يتعرض لأذى. فلو أراد المسكين الاعتداء على الشيخ لاصطاده في سجوده قبل نفرة أفراد “النظام الخاص”. التفت الشيخ إلى الرجل ومد له يده مصافحا، فأراد النظام الخاص إظهار مهنيته فسحل الشيخ كما سحل رئيس وزراء اليابان من قبل حراسه.
كان تواصل في أمس الحاجة إلى هذا “اسكتش” الدعائي تمهيدا للحملة الانتخابية. فليس الحزب في أحسن حالاته؛ القوارير ما بين مكسورة ومجروحة، والقادة بين مغاضب ومشاغب. ورئيس الحزب شيخ محظرة هادئة، عينه الشيخ مديرا لمدرسة المشاغبين في فترة الامتحانات حيث يكثر الغش والتزوير.. والعمل الخيري فاحت رائحته في المطاعم، وانتهت صلاحيته في الصيدليات.. الحزب في أمس الحاجة إلى حدث يجلب له التعاطف المدر للأصوات في حملة مفتوحة كثرت فيها الطموحات وتضاعفت الترشيحات…
وإذا كان “الزير سالم فال” لم يتقن دور ابن أبي ملجم فإن النظام الخاص قد ينهض بدور “اليد الخفية”، “ونقبل اليد التي تغتال!”.. وليحذر الشيخ: فمن مارس السحل في التشريعيات قد لا يرى بأسا بالقتل في الرئاسيات.. فالتنظيم أهم .”