أحمد أحمد سالم ولد ببوط / شاعر النضال وصوت الحرية
بين رمال الصحراء الكبرى، حيث يمتد الأفق بلا حدود، وبين قمم جبال آدرار الشامخة، وُلد أحمد سالم ولد ببوط عام 1888 في مدينة أطار الموريتانية.
لم يكن مولده حدثًا عاديًا؛ فقد جاء إلى الدنيا محملاً بإرث أسرة جمعت بين شجاعة الفرسان وحكمة العلماء، هذه البيئة الغنية بالعلم والشجاعة صاغت شخصية الشاعر والأديب الذي سيخلّد اسمه في صفحات التاريخ الموريتاني.
منذ نعومة أظفاره، أظهر أحمد سالم نبوغًا مبكرًا، حيث حفظ القرآن الكريم في سن صغيرة، وتعمق في علوم الفقه والنحو والشعر؛ كان تعليمه التقليدي تحت ظلال نخيل أطار أول خطواته نحو التفوق، لكن قدرته على تحويل هذا التعليم إلى أدوات للنضال والكفاح جعلت منه رمزًا للأدب المقاوم، ولم يكن مجرد قارئ أو دارس، بل كان فارسًا للكلمة، يجيد تطويعها لتصبح سلاحًا في وجه الظلم.
في فترة كانت موريتانيا ترزح تحت نير الاستعمار الفرنسي، برز أحمد سالم كشاعر يصدح بصوت الحرية والكرامة؛ رفض “العشر” الضرائب الجائرة التي أثقلت كاهل الشعب، ووقف في وجه التجنيد القسري الذي كان يستنزف الأرواح؛ كانت قصائده ملاحم حية، تحمل روح المقاومة وتنقلها من قلبه إلى قلوب شعبه.
كانت أشعاره أكثر من مجرد أبيات موزونة؛ فكانت صيحات ثائرة، تزرع الأمل وتشعل الحماسة في النفوس.
كان يدرك أن الكلمة أقوى من السيف، فاستغل موهبته الأدبية لتحفيز الناس على الكفاح والمطالبة بحقوقهم المسلوبة.
لم يكتفِ أحمد سالم بالنضال الأدبي، بل خاض غمار السياسة، فكان من أوائل المؤسسين للحزب الاشتراكي الإسلامي، الذي وُلد من رحم الحاجة إلى مقاومة الاستعمار.
آمن ولد ببوط بأن النضال السياسي لا يقل أهمية عن الأدبي، فجعل من قضيته محور حياته، ساعيًا بكل جهوده لتحقيق استقلال بلاده واستعادة كرامة شعبه.
في عام 1967، رحل أحمد سالم ولد ببوط عن عالمنا، لكن روحه بقيت تسكن في كل قصيدة كتبها، وفي كل فكرة نشرها، وفي كل مقاوم استلهم من كلماته العزم.
دفن في مقبرة أطار القديمة، لكن ذكراه لم تُدفن، بل بقيت حية في قلوب أبناء موريتانيا الذين يذكرونه كرمز للشجاعة والإبداع.
لقد كان أحمد سالم ولد ببوط أكثر من شاعر، فقد كان ضمير شعب، وقلب وطن، ونبراسًا أضاء درب الحرية في أحلك الأوقات؛ ترك وراءه إرثًا أدبيًا ونضاليًا، يجسد المعنى الحقيقي للالتزام والوفاء للوطن.
كلما قرأ الموريتانيون كلماته، شعروا بنبض الأرض الحرة التي ناضل من أجلها، وأدركوا أن الصحراء ليست فقط رمالًا، بل موطنًا للأبطال الذين يجعلون من الكلمة سلاحًا، ومن الشعر ملاذًا للحرية.
#المباشر