كيف يَفْرُك بوتين يديه فرحًا وهو يُتابع إسقاط أمريكا “المِنطاد” الصّيني بالقُوّة؟ ولماذا قد يُفجّرها صاروخٌ واحد بضَربِ “القِرم” حربًا نوويّةً؟ وهل تلقّى المُستشار الألماني ورئيس الوزراء البريطاني تهديدًا نوويًّا فِعلًا؟ إليْكُم التّفاصيل

عبد الباري عطوان

إسقاط صاروخ أمريكي للمِنطاد الصيني بعد أكثر من أسبوعٍ من تحليقه فوق قواعدٍ صاروخيّةٍ نوويّةٍ في مونتانا، سيهبط بردًا وسلامًا على قلبِ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ربّما يجعله يَفرُك يديه فرحًا لسببين: الأوّل لاختراق المنطاد ضخم الحجم (حواليّ ثلاث حافلات) الأجواء الأمريكيّة بكُلّ سُهولةٍ ويُسْر، وفشَل أجهزة المُراقبة في دولةٍ عالميّةٍ عُظمى اسمها الولايات المتحدة الأمريكيّة من رصده حتّى قبل اقتِرابه من حُدودها، وأن تأتي صفّارة الإنذار من مُواطنٍ مدنيّ عاديّ مُغرَمٍ في مُتابعة الأجسام الطّائرة، والثاني، استِخدام القُوّة وليس الدبلوماسيّة في التّعاطي مع هذا الاختِراق ومن الرئيس الأمريكي شخصيًّا.

عامل التّوقيت ينطوي على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة في كُلّ الأزمان، والحُروب خاصّةً بين الدّول العُظمى، مثلما يحدث حاليًّا على الأرض الأوكرانيّة وحالة التّصعيد التي تشهدها وتنعكس في القصف الصّاروخي والتقدّم الروسي في مِنطقة الدونباس، وتفاقم التورّط الأمريكي الأوروبي الذي ما زال مُقتَصرًا حتّى الآن بتكثيف المُساعدات العسكريّة والماليّة لكييف، وأبرزها مِئات الدبّابات والصّواريخ بعيدة مدى، فالرّبط بين هذه الحرب وإسقاط المِنطاد على درجةٍ كبيرةٍ من الأهميّة.

القِيادة الصينيّة انتقدت بشدّة ردّ الفِعل “المُبالغ فيه” والمُتَمثّل في إسقاط المِنطاد التي قالت إنّه مُخصّصٌ للأبحاث الجويّة السلميّة وجَنَحَ عن مساره بسبب الرّياح، باستِخدام القُوّة، وأكد مُتحدّث باسم الخارجيّة الصينيّة بأنّ بلاده “ستلتزم بحُقوق المصالح المشروعة للشّركات ذات الصّلة، مع الاحتِفاظ بالحقّ في القِيام بمَزيدٍ من رُدودِ الفِعل الضّروريّة”.

ما زالَ من غير المعروف كيف سيكون الرّد الصيني على إسقاط هذا المِنطاد باستِخدامِ القُوّة، ولكنّ الأمْر شِبْه المُؤكّد أن بعض جوانب هذا الرّد سينعكس بالتّنسيق بدَرجةٍ أكبر مع الحليف الروسي في الحرب الأوكرانيّة، وربّما يأتي الرّد في الثّأر للمِنطاد بإسقاط أيّ طائرة، أو سفينة، أمريكيّة تخترق الأجواء أو المِياه الإقليميّة الصينيّة في خليج تايوان أو بحر الصين.

إذا عُدنا إلى موضوعنا الأساسي وهو حربُ أوكرانيا التي تقترب من دُخولِ عامها الثاني (24 شباط الحالي) فإنّ هُناك تطوّرات رئيسيّة يجب التوقّف عندها في هذه العُجالة:

  • الأوّل: تهديد ديمتري ميدفيديف نائب رئيس مجلس الأمن الروسي بأنّه في حالِ استِهدافِ شِبه جزيرة القِرم بصواريخٍ أمريكيّة أو أوروبيّة من قِبَل الجيش الأوكراني، فإنّ باقي الأراضي الأوكرانيّة التي ما زالت تحت سيطرة كييف ستتحوّل إلى رمادٍ وسيكون ردّنا بجميع الأسلحة.

  • الثاني: اعتِراف زيلينسكي بأنّ الوضع على الخُطوط الأماميّة في شرق أوكرانيا (إقليم دونباس) يَزدادُ صُعوبةً، وأنّ روسيا تُرسل المزيد من القوّات إلى ساحةِ المعارك وتُحقّق المزيد من التّقدّم.

  • الثالث توجيه الرئيس بوتين رسالةً شديدةَ اللّهجة إلى المُستشار الألماني أولاف شولتز الذي يتزعّم حملة تزويد أوكرانيا بدبّابات “ليوبارد” الألمانيّة بتذكيره بأنّ روسيا دمّرت الدبّابات الألمانيّة “الهِتلريّة” أثناء الحرب العالميّة الثانية، وستُدمّرها للمرّة الثانية إذا تجرّأت ودخلت الأراضي الروسيّة بأعلامٍ أوكرانيّة.

هذه التّهديدات الروسيّة المُتوازية مع هُجومٍ صاروخيّ على مواقعٍ للجيش الأوكرانيّ في أكثر من مِنطقة، وتمهيدًا لهُجوم الربيع الروسي المُوسّع الجاري الإعداد له على قدمٍ وساق هذه الأيّام، تأتي كأوّلِ رَدٍّ على تصريحات ميخائيل بودولياك مُستشار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي التي قال فيها إنّه “بعد الاتّفاق مع الغرب على توريد دبّابات لكييف، نتفاوض حاليًّا على توريد صواريخ بعيدة المدى، وطائرات مُتطوّرة (إف 16 الأمريكيّة ورويال أو يورو فايتر الأوروبيّة) لشنّ ضرباتٍ على شِبه جزيرة القِرم تمهيدًا لاستِعادتها للسّيادة الأوكرانيّة”.

مُتحدّث روسي نفى التّقارير الإخباريّة التي نقلت عن بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني الأسبق تلقّيه تهديد بقصفِ بريطانيا بقُنبلةٍ نوويّةٍ، وتوجيه التّهديد نفسه للمُستشار الألماني شولتز، ولكنّ هُناك تسريبات مُضادّة تُؤكّد هذه التّهديدات الروسيّة النوويّة، وأن جونسون الذي كان يتحدّث لشريطٍ وثائقيٍّ بالصّوت والصّورة قال الحقيقة.

للمَرّة الألف نقول إن روسيا التي تملك 6500 رأس نووي، وقيادةً تتحلّى بإيمانٍ وعزّة نفس قوميّة رُوسيّة، لا يُمكن أن تخرج مهزومةً من هذه الحرب، خاصّةً أن كُلّ الدّعايات الغربيّة حول مرض بوتين بالسّرطان، ووجود قِيادات في الجيش الروسي ضدّه ستَنْشَقّ وتُطيح به، وتنبّؤات مُؤكّدة بانهِيار الاقتِصاد، والعُملة الروسيّة، بسبب العُقوبات الأمريكيّة، كُل هذه الحرب الدّعائيّة ثَبُتَ افتِقادها لأيّ مِصداقيّة.

من المُفارقة أن بوتين هو الذي منح زيلينسكي وعدًا بعدم اغتِياله وإبقائه على قيد الحياة قدّمه إلى نفتالي بينيت رئيس وزراء دولة الاحتِلال الأسبق أثناء زيارته لموسكو، مُقابل عدم انضِمام أوكرانيا رسميًّا لحِلفِ النّاتو، وكشف بينيت عن هذا التعهّد في مُقابلةٍ تلفزيونيّةٍ أُذيعَت قبل يومين.

صاروخٌ أمريكيٌّ واحد مُتوسّط المدى على شِبه جزيرة القِرم، أو على أهدافٍ في العُمُق الروسي التّقليدي قد يُشعِل حربًا نوويّة كرَدٍّ على الحرب الأمريكيّة الأوروبيّة بالإنابةِ ضدّ روسيا، وفي إطارِ خطّة تفكيكها، فإذا كان هذا التّحالف فشَل في تفكيكِ سورية، وقبْلها العِراق، وأفغانستان، فهل سينجح في تفكيكِ روسيا التي هزَمَتْ نابليون وهتلر.

الإجابة ربّما تأتي عِندما تتقدّم دبّابات وصواريخ هُجوم الرّبيع الروسي الوشيك.. والأيّام بيننا.

 

زر الذهاب إلى الأعلى