لماذا سيجري حلف الناتو مناورات نووية الأسبوع المقبل للمرة الأولى منذ حرب أوكرانيا؟ ما هو تفسير قلق الغرب بمشاركة المسيرات الانتحارية الإيرانية “شاهد” في الهجوم الروسي المضاد انتقاما لتدمير “جسر القرم”؟ ولماذا يرجح العرب والمسلمين كفة بوتين في الحرب؟

عبد الباري عطوان

كشف نيس ستولتنبرغ امين عام حلف الناتو اليوم الأربعاء في مؤتمر صحافي ان الحلف سيجري الأسبوع المقبل مناورات عسكرية تشارك فيها 30 دولة لاختبار حالة استعداد قدراته النووية، وستشارك في المناورات طائرات قادرة على حمل رؤوس نووية، مما يعني ان كل التقارير الصحافية الغربية التي كانت تبالغ في تضخيم النوايا الروسية في استخدام أسلحة نووية تكتيكية كانت مضللة، وان حلف الناتو هو الذي يخطط لاستخدام هذه الاسلحة، خاصة بعد الهجوم الصاروخي الروسي الأخير على البنى التحتية الأوكرانية مثل محطات الطاقة كرد “اولي” على تدمير جسر القرم، ونسف انابيب غاز “نورد ستريم” التي تمتد تحت بحر البلطيق من روسيا الى أوروبا.

ستولتنبرغ قال ان حلف الناتو مستعد لحرب طويلة، وان تزويد أوكرانيا بمنظومات دفاع جوية يحظى بأولوية قصوى لدى الحلفاء، وهذا ما يفسر مسارعة المانيا بإرسال منظومات دفاعية مضادة للطائرات الى كييف في الأيام القليلة الماضية.

ما نريد الوصول اليه من ذكر كل ما تقدم هو ان حلف الناتو بات يتورط بشكل مباشر في الحرب الأوكرانية، بعد ان اكتفى “شكليا” بدور المراقب عن بعد منذ بداية هذه الحرب قبل ثمانية أشهر بسبب التصعيد العسكري الروسي وتغيير قواعد الاشتباك، واحتمالات اللجوء الى القصف السجادي للعاصمة الأوكرانية كييف ومدن أخرى، كرد على قصف البنى التحتية الروسي

اعتراف السيناتور الأمريكي مارك وارنر رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ بأن الهجوم المضاد الذي شنته القوات الاوكرانية على الأقاليم الأربعة التي ضمتها موسكو الأسبوع الماضي، وحقق اختراقا مهما واستعادة بعض القرى والمدن، جاء بالتنسيق المباشر مع المخابرات الامريكية والبريطانية، ودليل على بداية التدخل الرسمي لدول حلف الناتو.

روسيا لا تخوض حربا وحدها ضد أوكرانيا وجيشها، وانما ضد حلف الناتو وثلاثين دولة عضو فيه برئاسة الولايات المتحدة، الأمر الذي قد يعجل بحرب عالمية ثالثة ونووية أيضا وربما هذا الشتاء، خاصة اذا مني الحزب الديمقراطي الأمريكي بهزيمة في الانتخابات التشريعية النصفية في الأسبوع الأول من شهر تشرين ثاني (نوفمبر) المقبل، وقبل ان تتعاظم حالة الغضب في الشارعين الأوروبي والامريكي من جراء اشعال فتيل هذه الحرب نتيجة غباء وسوء تقدير الرئيس جو بايدن ومؤسسته العسكرية، وتدهور الأوضاع المعيشية.

السيناتور الأمريكي راند بول قال في خطاب القاه في الكونغرس الأسبوع الماضي ان حجم المساعدات الامريكية الاوكرانية زاد عن 60 مليار دولار حتى الآن في وقت يواجه الاقتصاد الأمريكي تدميرا ضخما حيث وصل التضخم الى معدلات هي الأعلى منذ 40 عاما، وبلغ سعر غالون البنزين في أمريكا هذه الأيام لأكثر من سبعة دولارات، أي بزيادة أكثر من 50 بالمئة، واختتم خطابه بالقول “اننا نحاول إنقاذ أوكرانيا بتدمير الاقتصادين الأمريكي والاوروبي”، وكما نتمنى لو انه أشار الى طوابير السيارات الفرنسية امام محطات الوقود التي تمتد هذه الأيام لعدة كيلومترات.

حرب أوكرانيا، سواء طالت او قصرت لن تخسرها روسيا، ولن تنتصر فيها أمريكيا وحلف الناتو، فالرئيس فلاديمير بوتين، ومثلما يتضح من خلال الوقائع على الأرض، حقق الآن معظم اهدافه واولها تحدي الغرور والغطرسة الامريكية، وإظهار قوة المؤسسة العسكرية الروسية، وعدم ترددها في خوض الحروب، صغرى كانت او عالمية، تقليدية او نووية.

لم نكن كعرب، ولن نكون، من المصفقين للحروب نحن الذين إكتوينا بنار العديد منها على أيدي دولة الاحتلال وداعميها الامريكان والأوروبيين، ولن نفرح لمقتل أي اوكراني او روسي، واذا كانت أغلبية العرب والمسلمين يقفون في الخندق الروسي، وربما الصيني لاحقا، فذلك بسبب معاناتهم من الغطرسة الامريكية، وغزواتها وتدميرها للعديد من الدول والشعوب العربية والاسلامية في ليبيا والعراق وأفغانستان، وسورية، فقولوا لنا من فضلكم كيف نقف في خندق أمريكا التي قتلت مليوني شهيد عراقي، ومليون شهيد أفغاني، وأكثر من 80 ألف ليبي، ونصف مليون سوري، ومئات الآلاف من الفلسطينيين والمصريين والعرب على أيدي حليفها الإسرائيلي؟

هذه الغطرسة أعمت القيادات الامريكية والغربية عن رؤية الحقائق الجديدة على الأرض، والادراك انهم لا يقاتلون الطالبان في أفغانستان، ولا الجيش العراقي المنهك بعد خوض حرب الثماني سنوات مع ايران، ولا نظيره السوري الذي لم يتوقف يوما عن القتال دفاعا عن دولته لما يقرب من 11 عاما وفي مواجهة سبعين دولة وضخ مئات المليارات من الدولارات للقضاء عليه.

لا نعتقد ان الجنرالات الامريكان لم يشاهدوا الأداء اللافت للمسيرات الإيرانية من طراز “شاهد” التي استعانت بها روسيا الدولة العظمى في حرب أوكرانيا، وهجومها الأخير الساحق على البنى التحتية الأوكرانية انتقاما للهجوم على جسر القرم، ونجزم بأن كبار الجنرالات في الجيش الأمريكي ووزير دفاعهم قد يطلعوا على تقارير المخابرات العسكرية الإسرائيلية التي تؤكد ان ايران تملك 40 الفا من هذه المسيرات الانتحارية، أرسلت المئات، وربما الآلاف منها الى “حزب الله” في لبنان، وقريبا الى قادة ورجال منظمة “عرين الأسود” في الضفة الغربية المحتلة وحليفها “الجهاد الإسلامي”.

لا نعتقد ان الحرب الأوكرانية ستطول، وقد تنتهي في غضون عدة أشهر او بضعة سنوات على الاكثر، لأنه لا يستطيع أي من طرفيها تحمل إطالتها، والنتائج الكارثية المترتبة على ذلك، ومن غير المستبعد ان تُحسم عسكريا بحرب تقليدية او نووية، او من خلال الحوار على مائدة المفاوضات لتقليص الخسائر، والأمريكية الغربية على وجع الخصوص.

بوتين لم يهزم في أي من الحروب التي خاضها منذ توليه السلطة، على عكس الرؤساء الأمريكيين الحاليين منهم او السابقين، فأوباما انهزم في العراق، وبايدن في أفغانستان، وقريبا في سورية، وما يسمى يـ “track  record” او “تاريخ الخدمة” للأشخاص مهم جدا في العالم الغربي.. والأيام بيننا.

زر الذهاب إلى الأعلى