محمدفال ولد الرايس : الصرامة المؤسسية ونقاء المسار المهني

قبس.إنفو

في أدبيات القيادة الرصينة، تبرز النماذج التي تصنع حضورها بالفعل المتراكم لا بالخطاب العابر، وبالأثر المؤسسي لا بالضجيج الإعلامي. وفي هذا الإطار، يبرز اسم محمدفال ولد الرايس بوصفه نموذجًا لمسار مهني منضبط، وقيادة تشكّلت عبر التدرّج المسؤول، والالتزام الصارم بقيم النزاهة، ونقاء السجل الوظيفي.

لقد تميّزت مسيرته داخل المؤسسة العسكرية بالوضوح والاستقامة، حيث اضطلع بمسؤوليات متعدّدة في مواقع حسّاسة، تطلّبت دقة القرار ورجاحة التقدير، دون أن تُسجَّل عليه مآخذ مهنية أو إخلال إداري. بل ظلّ محلّ تقدير واحترام من قيادات الجيش وضباطه وأفراده، ومن مختلف الإدارات التي تولّى الإشراف عليها، في شهادة جماعية على سموّ السلوك واستقامة الأداء.

ومنذ بداياته المهنية، اتّضح انتماؤه إلى مدرسة قيادية ترى في الانضباط قيمة تأسيسية، وفي المسؤولية التزامًا أخلاقيًا، وفي العمل ممارسة واعية لا واجهة شكلية. فكان حضوره في مختلف المواقع مقرونًا بالصرامة المتّزنة، والنزاهة التي لا تحتاج إلى تبرير أو دفاع.

وخلال الفترة التي تحمّل فيها مسؤولية القيادة، برزت نتائج ملموسة على مستوى الأداء المؤسسي؛ إذ شهدت المؤسسة العسكرية تحسّنًا نوعيًا في الجاهزية المهنية، وارتفاعًا في مستوى الفعالية التشغيلية، وتعزيزًا لآليات التنظيم والتخطيط، إلى جانب توفير العتاد والوسائل الأساسية للعمل الميداني. وقد مثّل العرض العسكري في عيد الاستقلال تجسيدًا عمليًا لهذا التحول، ورسالة واضحة بلغة الانضباط والتماسك المؤسسي.

وفي سياق إقليمي بالغ الحساسية، تميّز بتصاعد التوترات الأمنية وامتداد تداعيات الصراعات في المحيط الجغرافي، أظهر الجنرال محمدفال ولد الرايس قدرة عالية على إدارة المخاطر واحتواء التحديات. فبحكمة القرار وصلابة التقدير، نجح في تحصين الجبهة الداخلية، ومنع تسلل التهديدات الإرهابية، محافظًا على أمن البلاد واستقرارها في مرحلة لم تكن تحتمل الارتجال أو الحلول الظرفية.

أما على الصعيد الخارجي، فقد سُجّل خلال فترة قيادته تطوّر ملحوظ في صورة المؤسسة العسكرية وعلاقاتها الدولية، تمثّل في تكثيف زيارات الوفود العسكرية والأمنية، وتوسيع مجالات التعاون والتنسيق، بما يعكس تنامي الثقة الدولية، وارتفاع مستوى المهنية، والاعتراف المتزايد بانضباط المؤسسة وقدراتها التنظيمية.

وعلى المستوى الشخصي، تشكّلت شخصية القائد في بيئة علمية وأخلاقية أصيلة، محافظة في قيمها، راسخة في تقاليدها، أنجبت فقهاء وعلماء وحملة لكتاب الله، وأعلامًا في الفقه والشعر العربي. وقد انعكس هذا الإرث المعرفي والأخلاقي في هدوء طبعه، ورجاحة تفكيره، ونقاء سلوكه، فكان العلم سلوكًا، والأخلاق ممارسة، والانضباط نمط حياة.

وقد جمع بين تهذيب الخطاب وحزم القرار، فكان صارمًا دون قسوة، ومتزنًا دون تردّد، مدركًا أن القيادة ليست منصبًا إداريًا يُتداول، بل مسؤولية أخلاقية تُحمَل، وأمانة تُؤدّى.

وفي مساره العلمي والمهني، اختار الارتقاء الهادئ بعيدًا عن الجدل العقيم، جامعًا بين خبرة الميدان ورصانة الفكر، مؤمنًا بأن الانشغال بالسفاسف يبدّد الجهد ويشوّش الرؤية. فكانت الكلمة لديه محسوبة، والفعل متزنًا، والعمل الصامت هو اللغة الأبلغ.

وحين يُستدعى الحديث عن سيرته، فإن اللغة ترتقي والكلمات تنساب، لا تكلّفًا بل انسجامًا مع واقع سيرة نظيفة ومسار مشرف.

ومن كانت هذه أخلاقه، فإن محاولات التشويه—المشحونة بالحسد والادعاء، والخالية من الدليل—لا تملك القدرة على النيل من سمعته أو المساس بجوهر مسيرته.

فالسيرة البيضاء لا تُشوَّه، كما أن العطر لا يُخفى، والحقائق الراسخة لا تهزّها ضوضاء عابرة.

محمدفال ولد الرايس: قائد مُجرَّب، ومسار مهني رفيع، وشاهد حيّ على أن الانضباط المؤسسي يصنع الثقة، وأن العطاء الصادق يترك أثره حيثما حلّ.

د.محمدعالي الهاشمي

زر الذهاب إلى الأعلى