المدن الاثرية عبق التاريخ والصراع مع عوادي الزمن وتحدي عوامل التعرية / وكالة أمباء آدرار
يستذكر الموريتانيون كل عام أثناء موسم التمور (الگيطنه) في واحات النخيل بآدرار، تاريخهم المسجل بأحرف من ذهب في أسفار مدنهم الأثرية التي يرعاها النخيل منذ قرون، فيجمع السياح والناشطون في الموسم بين متعة تناول الرطب، وجلسات الشاي والشعر، وزيارات المواقع الأثرية والمكتبات التي تزخر بها مدن شنيقط وودان و آزوگي و اوجفت.
آثار ومدن
هذه المدن الأثرية تحتضن بين ثناياها عبق التاريخ العربي الإسلامي، بعد أن حفرت في ذاكرة التاريخ أسماءها الخالدة وأدوارها الكبرى، رابطةً على مدى قرون بين غرب أفريقيا وأقطار المغرب العربي.
وبالإضافة لهذه المدن التي تشكل معالم تاريخية عربية وإسلامية متناثرة في آدرار في مواقع أثرية تعود لحضارات قديمة بعضها يرجع لمرحلة ما قبل التاريخ.
ومن أبرز المواقع الأثرية في آدرار المكتشفة حتى الآن مواقع الغلاوية وآغريجيت والبيظ و اوجفت و گرن الكصبه ومواقع فن النحت الصخري، والرسم الجداري المكتشفة في كهوف جبال آدرار .
شنقيط الفرع والأصل
في أقصى الشمال الموريتاني تحتضن سلسلة جبال آدرار الشامخة بين جوانحها مدينة شنقيط، تلك المدينة التي عرفت بها موريتانيا الحالية عبر التاريخ.
وإلى هذه المدينة، ينسب كبار العلماء الشناقطة الذين ملأ صيتهم العالم باستظهار وحفظ العلوم فافتتن بهم المشارقة في الأزهر وفي الأردن وفي الحجاز وفي السودان.
اختلف في أصل اشتقاق كلمة شنقيط كما يؤكد الباحث الموريتاني خليل النحوي في كتابه “بلاد شنقيط: المنارة والرباط” وذلك على مذاهب، فمن قائل أنها كلمة من اللغة الأزيرية أو البربرية الصنهاجية معناها عيون الخيل، أي التي تشرب منها الخيل الماء، ومن قائل إنها كلمة عربية أصلها سن قيط أي طرف جبل قيط وهو جبل مجاور للمدينة.
ويرى الباحث الموريتاني شغالي ولد أحمد محمود أن أصل التسمية الشقيط، وهي كلمة عربية فصيحة دالة على نوع من الأواني الخزفية كان منتشرا في المنطقة.
علماء شنقيط
تعززت هذه الصورة الإيجابية أكثر عن شنقيط وعلمائها في البلاد العربية خلال القرنين الماضيين بفعل ما حظي به العلماء الشناقطة من مكانة وما تركوا من انطباعات حسنة في المراكز العلمية المشرقية والمغربية التي حلوا فيها.
واستطاعت أن تحافظ على مكانتها التجارية والثقافية حتى نهاية القرن 19 رغم ما عانته من مصاعب وصراعات داخلية وخارجية.
وتعتبر مكتبات أهل حبت، وأهل أحمد الشريف، وأهل حامني، وأهل عبد الحميد، وأهل الوداعة، وأهل السبتي، وأهل الخرشي أبرز الشواهد القائمة اليوم على ماضيها المتميز علميا وثقافيا.
مدينة الحجيج
كانت شنقيط مدينة واحات ومحطة هامة من محطات تجارة الصحراء وكان الحجاج يتجمعون فيها ثم ينطلقون في قافلة واحدة لأداء فريضة الحج فسمي سكان هذا القطر الشناقطة، نسبة إلى المدينة التي تعزز دورها التجاري والديني في أوائل القرن 11هـ حتى أصبحت العاصمة الثقافية لتلك البلاد.
وقد سبق العرب إلى أفريقيا وبلاد المغرب وحكموها أكثر مما حكمها أهلها الأقدمون، فقد اعتنق أهل الصحراء الإسلام وتحدثوا اللغة العربية أصيلهم ودخيلهم، واحتلوا مواقع السلم الاجتماعي على أساس تمثلهم لروح الإسلام وتجسيدهم لروح البطولة العربية ما قبل الإسلام دون أن يكون للسلالة دور كبير في بلورة البيئة الاجتماعية السكانية.
وادان: واد علم وواد تمر
تقع مدينة وادان شمال شرق موريتانيا على بعد 180 كيلو مترا من عاصمة ولاية آدرار أطار ، وتأسست عام 536 هجرية، حيث تحولت في ظرف سنوات قليلة إلى نقطة لتلاقي القوافل والتجارة خلال القرن الحادي عشر الميلادي.
وتنقسم حاليا إلى قسمين، حديث مأهول بالسكان وتقع فيه المباني الإدارية، وآخر قديم يسمى المدينة القديمة والتي يعود تأسيسها إلى القرن السادس الهجري (536هـ 1142م).
وتقول جل الروايات التاريخية ان أصل كلمة وادان – رغم أنها تلفظ عموما ودان- هو أن فيها: واد من العلم وواد من التمر.
تعود نشأة المدينة، حسب المصادر الشفهية، إلى ثلاثة رجال صالحين كانوا يبحثون عن مكان مناسب للتقري والإقامة فوجدوا قدرًا مرمية في سفح الجبل المطل على المدينة، واتفقوا على أداء فريضة الحج أولا على أن يستقروا هناك، نظرًا للموقع الاستراتيجي للجبل والذي يصلح لبناء رباط كانوا قد اتفقوا على تأسيسه بعد عودتهم من الحج.
وقد اختار الحجاج عين المكان حسب الرواية المتواترة بعد استخارة قاموا بها وبعد دفن ثلاثة ألواح في كل من مواقع أطار وشنقيط ووادان ثم توجهوا إلى الأراضي المقدسة لأداء فريضة الحج وبعد عودتهم عام 536هـ وجدوا اللوح المدفون في شنقيط قد غطته الرمال، والذي في أطار جرفته السيول، بينما بقي الذي في وادان ثابتا في مكانه فباركوا موضع وادان وشرعوا في تأسيس المدينة وأول عمل قاموا به كان بناء المسجد ثم المؤاخاة بين سكان القرى المتنافرة والمتناثرة في المنطقة.
#وكالة أنباء آدرار