نص وثيقة قرارإحالة المتهمين بقتل الناشط الحقوقي المرحوم بإذن الله تعالى الصوفي ولد الشين
بسم الله العلي العظيم
الجمهورية الإسلامية الموريتانية
شرف – إخاء – عدل
محكمة ولاية نواكشوط الشمالية
الديوان الثاني للتحقيق
رقم النيابة: 2023/001
رقم التحقيق: 2023/025
رقم الأمر: 338 2023
أمر بالإحالة أمام المحكمة الجنائية
نحن: الحسين محمد الحسن، رئيس الديوان
نظرا للإجراءات القضائية الجارية في الملف ذي الرقم أعلاه والمتابع فيه كل من:
1. المختار ولد اسلمو سيدو، المولود سنة: 1991 في شكار، المعرف بالدليل المالي: 1O4712R سجين.
2. الحسن حمادة اسويدي، المولود سنة 1989 في ألاك، المعرف بالرقم الوطني 4559558894 سجين.
3. لحبيب أحمدو أحمدو، المولود سنة: 1980 في مقطع لحجار، المعرف بالدليل المالي: 89812w سجين.
4. الأمام حامد الإمام، المولود سنة: 1970 في الميناء، المعرف بالدليل المالي/ 6849OU سجين.
5. أعمر افكو (رابح)، المولود سنة 1976 في العيون، المعرف بالدليل المالي: 72353T. سجين.
6. عيد الله البان باه اماه، المولود سنة: 1981 بابابى، الرقم الوطني للتعريف: 0613257960 سجين
7. أبو دمب با، المولود سنة 1998 انجاجبني، الرقم الوطني للتعريف: 7112278815 تحت المراقبة القضائية.
8. أحمدو محمد أحمد حرمة، المولود سنة: 1980 روصو، المعرف بالدليل المالي 81468B سجين.
9. حمزة ولد محمد، المولود سنة: 199S في مقطع لحجار، الرقم الوطني للتعريف: 4584499447 سجين،
10. محمد ولد الأمين الملقب محمود، المولود سنة: 1976 في السبخة، الرقم الوطني للتعريف: 6873521269، تحت المراقبة القضائية
11. ممادو بيدي، المولود سنة: 1981 في الميناء، الرقم الوطني للتعريف: 9344225729 تحت المراقبة القضائية.
التهم:
– القتل العمد والتعذيب المؤدي للوفاة، والأمر والقيام بعمل تحكمي عدواني يمس بالحرية الشخصية، واستعمال العنف دون سبب شرعي، وطمس آثار الجريمة للأربعة الأوائل.
– وقبول وعود بهبات من أجل القيام بعمل داخل وظيفته للخامس، والمشاركة في ذلك للسادس.
– واللجوء للوعود بعطايا الهدف منها الارتشاء للسابع.
– والقيام عن قصد بإخفاء الجناة ومحاولة إنقاذهم من الإيقاف، ومساعدتهم على الاختفاء للثامن
– وتهمة تقديم وسيلة للتعذيب والمشاركة فيه والسكوت عليه، واستعمال العنف دون سبب شرعي، والقيام بعمل تحكمي عدواني ماس بالحرية، وعدم الإخبار عن وقائع مجرمة للتاسع،
– والسكوت على التعذيب وعدم الإخبار عن وقائع مجرمة للعاشر والحادي عشر.
الأفعال المنصوص عليها، والمعاقب على ارتكابها بالمواد: 271 – 280 – 11 – 180 – 171 – 173 – 53 – 54 – 55 – 56 من قانون العقوبات والمادة: 48 من قانون الإجراءات الجنائية، والمواد: 2 – 3 – 10 – 11 – 12 – 14 من مناهضة التعذيب.
بعد التوصل بالطلبات النهائية بإحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الصادرة عن وكيل الجمهورية بتاريخ: 10/08/2023.
وبعد الاطلاع على محضر إشعار المتهمين بختم التحقيق، ومضي الأجل القانوني لتقديم طلباتهم وملاحظاتهم.
وبعد مضي الأجل القانوني على الإشعار الشفهي لدفاع الطرف المدني بختم التحقيق، وذلك من أجل تقديمه لملاحظاته وطلباته بهذه المناسبة.
وبعد التوصل بعريضة من ذ/ محمد ولد محمد السالك تهدف إلى إصدار أمر بأن لا وجه لمتابعة المتهم أعمر ولد ايفكو على خلفية هذه الفضية، بتاريخ: 03 – 08 – 2023.
وبعد التوصل كذلك بعريضة من دفاع المهم المختار ولد سيدو الملقب صدام متضمنة ملاحظاته على ختم التحقيق في القضية، ومطالبين بـ”أخذ ملاحظاتهم بعين لاعتبار بعد أن لاحظوا براءة موكلهم”، وذلك بتاريخ: 08 – 08 – 2023.
وبعد التوصل بعريضة ذ/ محمد الحسن ولد اعبيدي الرامية إلى منح المتهم حمزة ولد محمد حرية مؤقتة لحين محاكمته، والتي أحيلت إلى النيابة العامة لإبداء رأيها المتمثل في “معارضة منح الإفراج المؤقت للمتهم لخطورة الوقائع المنسوبة إليه”، وذلك بتاريخ: 31 – 07 – 2023.
وبعد الاطلاع على وثائق الملف ومستنداته، وما نتج عن التحقيق بشأنه، نتخذ قرارا في القضية بعد سرد وقائعها، تمهيدا لمبررات هذا القرار.
أولا: الوقائع
تتلخص وقائع هذه القضية؛ حسب محضر ضبطيتها القضائية في توصل النيابة العامة بشكوى يدعي مقدمها قيام المدعو بومني جبريل الشين الملقب الصوفي المولود سنة 1984 بلكصر، والمعرف بالرقم الوطني 1034530285 بالاحتيال عليه من خلال إيهامه بإمكانية الحصول على تأشيرة لدخول الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة الأمريكية، ليجني منه بناء على الوعد المذكور مبلغ ثمانين ألف أوقية من الإصدار الجديد للعملة الوطنية دون أن يتلقى مقابلا لما دفع أو يقوم مؤشر على صدق معاقده قبل أن يتصل مدعي الضرر بالمتهم أعمر رابح (الملقب جعفر) ويقترح عليه تقديم الشكوى المؤسسة للقضية مقابل وعد من الأول بجزء من قيمة الدعوى، وذلك بعد أن صرح مدعي الاحتيال بسكنى المشكو منه بمقاطعة دار النعيم، وبالحيز المكاني لاختصاص مفوضية الشرطة رقم: 2 بدار النعيم، حيث تولى المتهم أعمر رابح تحرير الشكوى وتقديمها إلى النيابة العامة، واستلام محولها إلى الضبطية القضائية، ودعهما لدى هذه الأخيرة من أجل تسريع وتيرة إجراءاتها، حيث طلب من رئيس قسم الشرطة القضائية بالمفوضية إحضار المشكو منه، فأمر الأخير عنصري المفوضية المدعوين عبد الله البان وحمزة ولد محمد بإحضار المشكو منه، وقد نفذا الأمر، رغم اطلاعهما على إقامته بمقاطعة الرياض، حيث دلف المطلوب إلى المفوضية مستقلا سيارته الشخصية، ولا تظهر عليه أية أعراض تنم عن معاناته من مرض عضوي أو نفسي، ليبدأ معه التحقيق حول الشكوى، ويدخل في مفاوضات مع الشاكي بغية التوصل لحل ودي وصلح حول الضرر المدعى به، وقد باءت تلك المحاولة بالفشل، ليأمر قائد المفوضية من ثم بوضع المشكو منه رهن الحراسة النظرية، قبل أن يأمر بإخراجه من غرفة الاعتقال، وإحضاره إلى مكتبه، حيث دخل معه المفوض في مفاوضات بحضور عناصر ضبطية قضائية من مفوضية الشرطة القضائية بنواكشوط الشمالية، مما أدى إلي نشوب نقاش حاد بمكتب المفوض، ويأمر الأخير بإحضار أصفاد حديدية حيث أفضى ما دار بين عناصر الشرطة القضائية والمشكو منه إلى سقوط الأخير فاقدا للوعي، مما حدا بالمفوض إلى إصدار تعليماته لعناصر المفوضية بنقل الموقوف المغشي عليه إلى مستشفى الشيخ زايد من أجل إسعافه، قبل أن يتبين أن المسعف قد لفظ أنفاسه الأخيرة، وتتوصل الضبطية القضائية المداومة بالإدارة الجهوية للأمن بولاية نواكشوط الشمالية ببلاغ عن واقعة وفاة بإحدى المفوضيات التابعة لها، حيث أشعرت الأخيرة النيابة العامة التي أمرت بفتح تحقيق في القضية إيذانا بانتداب لجنة من ضباط الشرطة القضائية يقودها المدعي العام لدى محكمة الاستئناف بنواكشوط الغربية، وذلك من أجل استكشاف حقيقة ما حدث، كما قررت تعليق عمل مفوضية الشرطة مسرح الواقعة، وأمرت بإخضاع عناصرها المداومين آنئذ ومفوضها للحراسة النظرية، حتى يتحصحص سبب وفاة الموقوف.
بناء على الإجراءات المذكورة أعدت لجنة ضباط الشرطة القضائية تلك محضرها ذا الرقم: 2023/001 مضمنة إياه خلاصة ما وصل إليه تحقيقها، ومبدية من خلاله ما توفر لديها من أدلة ضد المشتبه فيهم مع إحالتهم إلى وكيل الجمهورية بنواكشوط الشمالية لاتخاذ ما يراه مناسبا، ليتجه من ثم للأخير اتخاذ قرار باتهام الثمانية الأوائل في القضية بالتهم البينة أعلاه، ويعهد الديوان بالتحقيق في القضية عملا بالمواد: 72 – 57 – 67 – 36 – 20 من قانون الإجراءات الجنائية.
ثانيا: الحيثيات
حيث إن المتهم الأول في القضية (المختار) وإن نفى خلال استجوابه أمام الضبطية القضائية شبهة المشاركة والإشراف على تعذيب وتعنيف الضحية، فإنه قد اعترف بأمره بإحضار الضحية إلى مكتبه، ومباشرته التحقيق معه، قبل أن يأمر عناصر مفوضية الشرطة القضائية بنواكشوط الشمالية بمواصلة التحقيق مع الضحية خلاف النظم القانونية والإجرائية المنطبقة، كما أقر بسماحه بانصراف عناصر مفوضية الشرطة القضائية رغم علمه بوفاة الضحية بمكتبه جراء ما دار بينهم والضحية، إضافة إلى اعترافه الضمني في هذه المرحلة من التحقيق بالأمر بتنظيف مكتبه مسرح الواقعة موضوع التحقيق، وإخفاء بعض محتوياته، خلافا للمواد: 54 – 50 – 49 – 48 من قانون الإجراءات، كما صرح كذلك بصحة أمره بوضع المشكو منه (الضحية) رهن الحراسة النظرية، وعدم إشعاره للنيابة العامة بتوقيف المشكو منه، إضافة إلى إقراره بصدق المتهم عبد الله البان الذي يدعي توصله بأمر منه بإحضار المشكو منه (الضحية) رغم إقامة الأخير خارج دائرة اختصاص المفوضية، كما صرح كذلك أمام الضبطية القضائية بإصداره أوامر للفرقة المداومة مساء الواقعة بإعداد تقارير عن سبب وفاة الضحية، نافيا ما ادعى المتهمون حول مقتضيات تلك التقارير، لتتبين من تصريحه أمام الضبطية القضائية مجموعة من القرائن تشي بضلوعه في واقعة الوفاة تحت التعذيب المدعى بها.
حيث إن المتهم الثاني في القضية (الحسن حماده) قد صرح أمام الضبطية القضائية بتلقيه اتصالا من المتهم الأول، طلب منه الحضور إليه بالمفوضية، حيث دلف إلى مكتب المفوض رفقة المتهمين الثالث والرابع (لحبيب والامام)، وصادفوا المتهم الأول رفقة الضحية، وشرعوا في تعنفيه وشد وثاقه من خلال تقييد يديه ورجليه وتعصيب عينيه بعد أن أمر المتهم الأول بإحضار قيد حديدي، وبعد وقوع الضحية مغشيا عليه أمرهم بنقله إلى الإسعاف ليبدأ هو (المتهم الحسن) في إخفاء آثار الواقعة من خلال اصطحابه – بنا على رغبة من المنهم الأول – لسجادة كانت في المكتب مسرح الواقعة بغية طمس آثار دم الضحية عنها، كما صرح بأنه ناقض بعض أقواله حماية لصديقه المتهم الأول في القضية، مما يشي كذلك بمشاركته في التهمة موضوع التحقيق.
حيث إن المتهم الثالث في القضية (لحبيب)، قد اعترف أمام الضبطية القضائية بوروده إلى مكتب المتهم الأول رفقة المتهمين الثاني والرابع، ومشاركته في تعنيف الضحية حيث تمثل دوره في لي ذراع الضحية وتثبيتها خلف ظهره، معضدا بذلك شبهة المشاركة في التعذيب التي كان مظنها في هذه المرحلة من التحقيق.
حيث إن المتهم الرابع في القضية (الإمام)، وإن نفي مشاركته في تعذيب الضحية، فإنه قد صرح أمام الضبطية القضائية بمرافقة المتهمين الثاني والثالث إلى مكتب المتهم الأول، وقد شرع الأخير أمامه في تعنيف لفظي للضحية خارج عن المصطلحات المسموح بها في الاستجوابات الرسمية، مما يعضد دعوى رفيقيه (المتهمين الحسن ولحبيب) مشاركته إياهما في علمية التعذيب موضوع التحقيق.
حيث إن المتهم الخامس في القضية (أعمر أيفكو الملقب رابح)، قد صرح أمام الضبطية القضائية بسعيه في إنجاز محول الشكوى المؤسسة للقضية لصالح المتهم السابع (آبو دمب)، وذلك من خلال تحريره لعريضة الشكوى وتقديمها لوكيل الجمهورية، واستلامه محولها رغم عدم اختصاص المفوضية التي يعمل بها، كما ورد في محضر الضبطية القضائية أنه “تردد في الإجابة” على سؤاله عن دعوى المتهم السابع تعاقده معه على جزء من محصول قيمة الدعوى موضوع الشكوى، لتتحصل بذلك قرينة على اتخاذه لوسائل احتيالية من أجل إيهام الشاكي بجدوائية الشكوى، ومحورية دوره (المتهم الخامس) في استخلاص الحق المدعى به.
حيث إن المتهم السادس في القضية (عبد الله البان) قد صرح أمام الضبطية القضائية بمشاركته في تحرير وإنجاز الشكوى المؤسسة للمتابعة من خلال تقديمها لمكتب الضبط لدى وكيل الجمهورية، إضافة إلى تسلم محولها من المتهم الخامس (أعمر ايفكو)، ومرافقة مقدمها إلى رئيس قسم الشرطة القضائية بالمفوضية، دون أن يتلقى أمرا بذلك من رئيسه في العمل، مما يشي بمشاركته في عملية الاحتيال التي بدأها المتهم الخامس في القضية.
حيث إن المتهم السابع في القضية (أبو دمب باه)، قد صرح أمام الضبطية القضائية بطلبه مساعدة المتهم الخامس له في استخلاص حق مترتب له على الضحية قبل أن يستجيب له الأخير مقابل مبلغ مالي اتفقا عليه لاحقا، كما صرح بأنه قد أدلى له بمعلومات غير دقيقة حول محل إقامة المشكو منه ومكان وقوع المعاملة المؤسسة للشكوى، مما يشي بمخالفته للمواد: 150 – 149 من قانون العقوبات.
حيث إن المتهم الثامن في القضية (أحمدو ولد محمد)، قد صرح أمام الضبطية القضائية بتلقيه لتعليمات من المفوض (المتهم الأول)، بوضع المشكو منه رهن الحراسة النظرية قبل أن يطلب منه مده بقيد حديدي، كما صرح بأنه قد علم بنية المتهم استعمال العنف مع المشكو منه، وذلك من خلال تصريح المفوض بأن المشكو منه “لن يستجيب للتحقيق بسهولة”، وكان ذلك بعد حضور عناصر مفوضية الشرطة القضائية بنواكشوط الشمالية، وأضاف أنه بعد وفاة الضحية قام بإنجاز تقرير عن وفاة المتهم يتضمن معلومات مغلوطة، وكان ذلك بناء على تعليمات من المتهم الأول، مما يشي بمشاركته في إخفاء أدلة الجريمة موضوع التحقيق.
حيث إن المتهم التاسع في القضية (حمزة ولد محمد)، قد صرح أمام الضبطية القضائية بحضوره لعملية تعنيف الضحية بعد أن أحضر قيدا حديديا، وقد أصابه الدم المتطاير من الضحية، وقام بغسل ثوبه وتغييره، إضافة إلى تحريره لتقرير كاذب عن تفاصيل الواقعة، مما يشي بمشاركته في عملة التعذيب والقتل المدعى بها.
حيث إن المتهم العاشر في القضية (محمد ولد الأمين)، قد صرح أمام الضبطية الفضائية بملاحظته لآثار دم الضحية على المهم التاسع بعد اقتياد الضحية إلى مكتب المتهم الأول، وتلقيه كذلك لتعليمات من الأخير بإنجاز تقرير يتضمن معلومات كاذبة عن الواقعة موضوع التحقيق، مما يشي بسكوته على التعذيب وعدم تبليغه عن واقعة مجرمة قد حصل له العلم بوقوعها.
حيث إن المتهم الحادي عشر في القضية (بيدي ممادو جا)، قد صرح أمام الضبطية القضائية بملاحظته لدخول عناصر مفوضية الشرطة القضائية سابقي الذكر إلى مكتب المتهم الأول في القضية، وأمر الأخير باستجلاب الضحية إلى المكتب مسرح الواقعة، ومده بقيد حديدي، إضافة إلى تلقيه تعليمات من المتهم الأول بإنجاز تقرير كاذب عن الواقعة، مما يشي باطلاعه بالواقعة المجرمة وسكوته عليها.
حيث إن المتهم الأول في القضية (المختار) – وإن نفى التهم الموجهة إليه خلال استجوابه من الديوان وخلال مواجهاته ببعض المتهمين الذين تواترت وتطابقت وشاياتهم به في إسناد المسؤولية عن التعذيب ومباشرته – إلا أنه قد أقر خلال استجوابه التفصيلي أمام قاضي التحقيق باستجلاب الضحية إلى مكتبه، وحضور عناصر مفوضية الشرطة القضائية (المهتمين الثاني والثالث والرابع) إلى مكتبه، وسماحه لهم بمواصلة استجواب الضحية، كما صرح بأن الضحية قد دخل المكتب بصحة جيدة قبل أن يتلقى إشعارا من أحد المتهمين بدخول الضحية في غيبوبة، ويضيف إلى تصريحه – وهو قائد المفوضية والأعلى رتبة آنئذ – عدم منعه للعناصر المشتبه في وقوفهم وراء تعذيب الضحية من العبث بمسرح الوقائع ومغادرة المفوضية والتواري عن الإجراءات اللاحقة، هذا إضافة إلى إقراره أمام الديوان كذلك بأمره بتوقيف المشكو منه (الضحية) دون إشعار النيابة العامة، ومعترفا كذلك بصحة أمره للمتهم الثامن في القضية (أحمدو) بإعداد تقرير عن الواقعة، كما أقر بتحريره لتقرير يتضمن تحريفا للوقائع متذرعا بمعلومات مغلوطة عن الواقعة أمده بها رئيس قسم الشرطة القضائية بالمفوضية، حيث ناقض بذلك ما أدلى به أمام الضبطية القضائية، مما يشي بكيدية تجاوبه مع فرضية مشاركته وإشرافه على عملية التعذيب المدعى بها، وطمس أثارها تبعا لذلك.
حيث إن المتهم الثاني في القضية (الحسن)، قد أقر أمام الديوان خلال استجوابه ومواجهاته ببعض المتهمين بحضوره لتعذيب الضحية، حيث حضر عراك وتشابكا بين الضحية والمتهمين المختار ولحبيب والامام وحمزة، بيد أنه لم يتمكن من المشاركة فيه لاستغراق أيادي المتهمين وقتها لجسم الضحية، كما أقر باعتماد استخدام العنف مع الموقوفين بالمفوضيات، قبل أن يتراجع عن بعض مقتضيات تصريحه أمام الضبطية القضائية عازيا سبب ذلك إلى اتفاق مع المتهم الأول (المختار) بأن يتحمل عنه مسؤولية تعذيب الضحية مقابل مبلغ مالي قبل نكول الأخير عن ذلك، وقد أقر كذلك أمام التحقيق بالعبث بمسرح الوقائع من خلال تنظيف واصطحاب السجادة التي كانت بالمكتب ويحتمل تلطخها بدم الضحية إلى مغسلة من أجل إزالة الموجود عليها في سبيل طمس الأدلة المحتملة لواقعة التعذيب، لتترتب عن تصريحه أمام الديوان قرائن على إتيانه الأفعال محل المتابعة.
حيث إن المتهم الثالث في القضية (لحبيب)، قد أقر خلال استجوابه التفصيلي أمام الديوان بقدومه إلى مفوضية الشرطة رقم: 2 بدار النعيم رغم عدم تبعيته لها، وذلك بعد تلقي زميله الحسن لاتصال هاتفي يطلبه فيه مفوضها حضورهم، وقد ولج مكتب المفوض ووجد الأخير رفقة أفراده في تشابك مع الضحية وساعدهم في تثبيته من خلال وضع القيد الحديدي في إحدى يديه، مما يشكل قرينة إثبات أخرى على مشاركته في التعذيب المفضي إلى الوفاة طبقا لقرار الاتهام.
حيث إن المتهم الرابع في القضية (الإمام)، قد أقر خلا استجوابه أمام الديوان – على غرار ما أدلى به أمام الضبطية القضائية – بدخوله المكتب مسرح الواقعة المدعى بها دون مبرر رسمي لذلك، كما أن أقوال شركائه في التهمة قد تطابقت على مشاركته في عملية التعذيب التي أدت إلى وفاة الضحية، إضافة إلى إفادة الشاهد ذي النورين ولد حبيب طلب المتهم منه عدم الوشاية به حال طلب السلطات لشهادته، مما يشكل قرينة إثبات ضده كذلك.
حيث إن المتهم الخامس (أعمر رابح) قد صرح أمام الديوان بتحريره لشكوى من الضحية لصالح المتهم السابع في القضية (أبو دمب)، وقد وجهها إلى وكيل الجمهورية وبعد تحويلها إلى المفوضية الثانية بدار النعيم قام بمرافقة الشاكي إلى المفوضية المذكورة، وطلب من مسؤوليها تسريع إجراءاتها لمساعدة الشاكي في استيفاء حقه، مما يشكل قرينة على الاحتيال تجاه هذا الأخير قبل أن يضيف أنه قام بذلك بناء على تصريح الشاكي بإقامة المشكو منه بدائرة اختصاص المفوضية.
حيث إن المتهم السادس في القضية (عبد الله البان) قد أقر أمام الديوان بمساعدة المتهم الخامس في استصدار محول الشكوى المؤسسة للمتابعة واستجلاب المشكو منه (الضحية) إلى المفوضية، رغم اطلاعه على إقامة الأخير خارج الاختصاص الترابي للمفوضية، مما يقتضي مشاركته المتهم الخامس في عملية الاحتيال على المتهم السابع في القضية.
حيث إن المتهم السابع في القضية (أبو دمب با)، قد اعترف أمام التحقيق بالتفاهم مع المتهم الخامس (أعمر رابح) حول طريقة لاستيفاء حقه من الضحية، وذلك على غرار ما أدلى به أمام الضبطية القضائية.
حيث إن المتهم الثامن في القضية (أحمدو محمد حرمة)، قد صرح أمام الديوان بتحريره لتقرير عن القضية يتضمن معلومات خاطئة، مبررا ذلك بالصدمة التي انتابته من واقعة وفاة الضحية، وما أغراه به المفوض من تبني الإدارة العامة للقضية، ونيتها تحمل المسؤولية عن الواقعة، وإن كان المتهم الأول خلال مواجهته معه نفى الجزئية المتعلقة بإدارة الأمن.
حيث إن المتهم التاسع في القضية (حمزة)، قد أقر خلال استجوابه التفصيلي من لدن قاضي التحقيق بإحضاره لقيد حديدي استعمل لاحقا في تعذيب المتهم، كما أقر بمواكبته لعملية التعذيب نافيا المشاركة فيها، وقد أقر كذلك بتعرض بنطلونه للطش من دم الضحية، مما يشكل قرينة على مشاركته في استعمال العنف طبقا لمقتضى قرار قاضي التحقيق القاضي باتهامه وإخضاعه للمتابعة الجزائية.
حيث إن المتهم العاشر في القضية (محمد الأمين)، وإن نفى تهمة السكوت على التعذيب خلال تصريحه أمام قاضي التحقيق إلا أنه قد أقر بعلمه بحدوثه بمكتب المفوض ساعتها، خصوصا أن المتهم هو من نقل أمر إحضار الأصفاد الحديدية – غير المبرر – إلى المتهم التاسع في القضية، مما يشي بفعله السلبي مبنى التهمة المؤسسة للمتابعة.
حيث إن المتهم الحادي عشر في القضية (ممدو بيدي)، قد أقر أمام قاضي التحقيق بملاحظته للمتهم التاسع ينظف ثيابه من بقع دم لصقت به إثر ذهابه إلى مكتب المفوض لمده بالقيد الحديدي مما يرتب علمه – بحكم وظيفته وخبرته – بوقوع عملية تعذيب داخل المفوضية التي يعمل بها دون أن يبلغ بها.
حيث إن تقرير الطب الشرعي المعد من طرف لجنة خبراء قضائيين معتمدين لدى المحاكم الوطنية قد خلص إلى “وجود علامات متلازمة اختناق وكدمات بجبهة الضحية، إضافة إلى وجود خدوش وكدمات بالأطراف العلية لجثته وزلع جلدي” ينم عن تعرض الضحية للتعذيب، كما خلص التقرير إلى أن “السبب الأرجح لوفاة الضحية هو الاختناق الرضي بواسطة الخنق”، مما يشكل قرينة إثبات للتهم الموجهة إلى الأربعة الأوائل والتاسع في القضية.
حيث إن التصوير الطبقي المحوري لجمجمة الضحية والمحلل من طرف الدكتورة نجاة بوخريصي أخصائية الأشعة الطبية بالمستشفى الوطني والمنتدبة من الديوان من أجل تحليل صور الأشعة لجمجمة المتوفى قد توصل إلى وجود ارتجاج وأضرار بالجمجمة والعنق، معضدا بذلك ما خلص إليه تقرير الطب الشرعي المعد بذات المناسبة.
حيث إن المتهمين الأربعة الأوائل والتاسع في القضية قد تدافعوا المسؤولية عن الأفعال المشكلة للجريمة موضوع التحقيق، حيث أسند كل متهم الأفعال المذكورة للآخرين، مما يشكل “شهادة متهم على متهم” تستدعي من القاضي الجزائي تقديرها ضمن الأدلة المتولدة من التحقيق.
حيث إن مهمة قاضي التحقيق تتمثل في جمع وتقدير أدلة إثبات ونفي التهم بالنسبة للمظنون، وذلك في ضوء عمل المشرع الوطني بمبدإ حرية الإثبات في المادة الجزائية؛ حيث نص في المواد: 387 – 386 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه “باستثناء الحالات التي ينص فيها القانون على خلاف ذلك، فإن الجرائم يمكن أن تثبت بجميع الأدلة الشرعية…”، كما قرر أن القاضي الجزائي يحكم اعتمادا على اقتناعه الشخصي المعتمد على البينات والمثبتات القانونية، وأن اعتراف المتهم كغيره من الأدلة خاضع لتقدير القضاة مبديا بذلك اعتماده مبدأ أخر لا يقل أهمية عن مبدإ حرية الإثبات، وهو مبدأ النهوض بوجدان القاضي الجزائي وإيجابيته، ليشكل بذلك قيدا ورقابة على مبدإ حرية الإثبات.
إن المشرع قد خول قاضي التحقيق اتخاذ جميع الإجراءات التي يراها ضرورية لإثبات أو نفي التهم موضوع التحقيق، كما منحه سلطة تقديرية على الأدلة وفق ضوابط معينة لكل نوع من الأدلة طبقا لمقتضيات المواد: 73 و90 وما بعدها في فرعها من قانون الإجراءات الجنائية.
حيث إنه بدراسة المواد: 73 – 90 وما بعدها في فرعها 387 -386 – 308 – 306 – 176 من قانون الإجراءات الجنائية يتبين أن المشرع لم يمنع القاضي الجزائي من الاعتماد على شهادة متهم بحق أخر رغم أداء تلك الشهادة من غير يمين، وحق مؤديها في الكذب، واستخدام جميع الوسائل لدفع التهم عن نفسه ولو كان ذلك بتوريط غيره، لأن شهادة متهم على متهم – فضلا عن خضوعها لتقدير القاضي الجزائي وسلطان وجدان هذا الأخير في تقديرها – قد ترد مدعومة بأدلة مادية أخرى بحيث تكون قوية ومتماسكة ومستقرة ومعززة بقرائن أخرى، وسليمة من القوادح.
حيث إن شهادة بعض المتهمين على بعض في هذه القضية قد وردت قوية ومتماسكة ومستقرة خلال مراحل البحث والتحقيق، ومعززة بقرائن أخرى مثل ورود الضحية إلى مسرح الواقعة وهو في كامل صحته البدنية والنفسية، وإثبات التقارير الطبية الرسمية تعرضه للوفاة نتيجة الاعتداء المادي، لتنطبق القواعد المستخلصة من المواد: 73 – 90 – 176 – 306 – 308 – 386 – 387 من قانون الإجراءات الجنائية التي تنظم قواعد الإثبات في المادة الجزائية، وتقر مبدأ وجدان القاضي الجزائي في تقدير وسائل الإثبات المتوفرة لديه.
حيث إن المشرع وإن وضع قيدا على حرية الإثبات في جرائم الحدود والقصاص، فإنه قد سمح كذلك بتقدير بعد وسائل إثباتها حيث نظم إثبات القتل العمد عن طريق “اللوث” مع القسامة (المادة: 278 من قانون العقوبات)، ليمنح القاضي بذلك سلطة تقدير “اللوث” كعنصر من عناصر الإثبات كما هو الحال في القضية موضوع التحقيق.
حيث إن المشرع قد نص على أن القتل العمد الناتج عن التعذيب يعد “اغتيالا” (المادة: 278 من قانون العقوبات)، حيث إنه بذلك تتوفر مجموعة من القرائن والأدلة على قيام المتهمين الأربعة الأوائل والتاسع في القضية بإزهاق روح إنسان معصوم الدم طبقا للمواد: 271 – 278 – 280 من قانون العقوبات، والمادة: 11 من قانون مناهضة التعذيب.
حيث إن المشرع قد نص في المادة: 17 من قانون مكافحة الفساد على إلغاء جميع الأحكام السابقة المخالفة لمقتضياته، مما يقتضي استبعاد تكييف النيابة العامة للوقائع المنسوبة إلى المتهمين أعمر رابح وعبد الله البان وأبو دمب لإلغاء النص المبرر للتكييف، حيث إنه قد تبين من دراسة الوقائع المنسوبة للمتهمين أعمر رابح وعبد الله البان أنهما قد قاما بـ”استخدام وسائل التدليس من أجل حمل الشاكي (أبو دمب) على دفع ما لا يلزمه لولا تعرضه لتلك الخدع”، أو هو “إيهام الطرف المدني بوجود مزايا مادية غير موجودة في الواقع كانت هي السبب وراء حصول المتهم على كسب مادي أو معنوي ما كان له أن يحصل عليه لو علم الطرف المدني عدم صدق معاقده”، تبعا لمقتضى المادة: 376 من قانون العقوبات المجرمة للاحتيال، مما يعني اختلال التكييف المتبع من النيابة العامة في هذه الجزئية.
حيث إنه بدراسة الوقائع المنسوبة إلى المتهم أبو دمب با يتبين أن ما قام به يشكل إدلاء بتصريح من أجل استصدار وثيقة رسمية تخوله تعويضا طبقا للمادتين: 149 – 150 من قانون العقوبات، مما يقتضي استبعاد تكييف النيابة العامة للوقائع المنسوبة إليه كذلك.
حيث إن المشرع قد نص على أن عقوبات الأفعال المنسوبة إلى المتهمين الأربعة الأوائل والتاسع في القضية هي الإعدام قصاصا أو السجن المؤبد – بعد الترجيح (المادة: 5 من قانون العقوبات) – وميز العقوبتين المذكورتين ضمن العقوبات البدنية والمخلة بالشرف (المادتين: 6 و7 من قانون العقوبات).
حيث إن الوصف الجزائي للوقائع المنسوبة إلى المتهمين الأربعة الأوائل والتاسع في القضية جنائي من منظور القانون الجنائي.
حيث إن الوقائع المؤسسة لمتابعة المتهمين مترابطة طبقا لمقتضى المواد: 204 – 322 من قانون الإجراءات الجنائية.
حيث إنه من بين المهمين في القضية من يخضع لتدبير الحبس الاحتياطي مما يقتضي تسريع الإجراءات ضمانا لحقوقه.
حيث إنه بذلك تتجه إحالة المتهمين إلى المحكمة المختصة بالبت في الدعوى العمومية المؤسسة ذات الطابع الجنائي.
لهذه الأسباب:
عملا بالمواد: 72 – 73 – 204 – 322 – 175 – 176 – 333 – 181 من قانون الإجراءات الجنائية، والمواد: 271 – 278 – 376 – 149 – 150 – 53 – 54 – 55 – 56، والمواد: 2 – 3 – 10 – 11 – 12 – 14 – 15 من قانون مناهضة التعذيب، والمواد: 97 – 118 من قانون الالتزامات والعقود.
فإننا:
1. نقرر رفض طلب دفاع المتهم أعمر رابح إصدار أمر بأن لا وجه لمتابعته على خلفية هذه القضية، وذلك لرجوح أدلة إثبات التهمة بحق المتهم على أدلة نفيها عنه.
2. نقرر رفض طلب دفاع المتهم حمزة ولد محمد منحه حرية مؤقتة، وذلك لقيام مبررات وضع المتهم رهن الحبس الاحتياطي.
3. نقرر إعادة تكييف الوقائع المنسوبة إلى المتهمين أعمر ايفكو وعبد الله البان وأبو دمب با من “قبول وعود بهبات من أجل القيام بعمل داخل وظيفته” للأول، و”المشاركة في ذلك” للثاني، و”اللجوء للوعود بعطايا الهدف منها الارتشاء” للثالث، طبقا للمواد: 171 – 173 من قانون العقوبات إلى تهم “الاحتيال” بالنسبة للأولين، و”الإدلاء بتصريح كاذب أمام جهة رسمية من أجل استيفاء حق”، للثالث طبقا للمواد: 376 – 149 – 450 من القانون المذكور.
4. نأمر بإحالة المتهمين المختار ولد اسلمو سيدو المولود سنة 1991 بشكار، والحسن حمادة اسويدي المولود سنة 1989 بالاك، ولحبيب أحمدو أحمدو المولود سنة 1980 بمقطع الحجار، والإمام حامد الإمام المولود سنة 1970 بالميناء، وأعمر إفكو (رابح) المولود سنة 1976 بالعيون، وعبد الله البان باه اماه المولود سنة 1981 بیابانی، وأبو دمب با المولود سنة 1998 في بانجاجبني، وأحمدو محمد أحمد حرمة المولود سنة 1980 بروصو، وحمزة ولد محمد المولود سنة 1995 بمقطع لحجار، ومحمد ولد الأمين الملقب محمود المولود سنة 1976 بالسبخة، وممادو بيدي المولود سنة 1981 بالميناء، إلى المحكمة الجنائية بولاية نواكشوط الشمالية لمحاكمتهم طبقا للشريعة والقانون.
5. نأمر بإبلاغ أمرنا هذا إلى وكيل الجمهورية بالمحكمة.
6. نأمر بإبلاغ أمرنا هذا إلى المتهمين ومحاميهم وللطرف المدني في القضية.
والله الموفق للصواب
حرر بمكتبنا بنواكشوط الشمالية بتاريخ: 2023/08/14
قاضي التحقيق