حول الأزمة المتفاقمة في الجارة مالي
يبدو قرار السلطات المالية إلغاء اتفاقية الجزائر من الناحية العملية مجرد تحصيل حاصل ، فميدانيا لم يعد له وجود منذ قرر القادة العسكريون في مالي الركون إلى الخيار العسكري للتعامل مع الأزمة الداخلية . غير أن هذا القرار يميط الستار بشكل أكثر عمقا عن قدر من التهور وانعدام الخبرة لدى القادة العسكريين في مالي ، وهو ماتترجمه سلسلة القرارات المتهورة التي اتخذها القادة الإنقلابيون منذ البداية . لاأحد ينكر على مالي كمستعمرة سابقة أن تنتفض ضد مستعمريها السابقين ، وأن تحدد خياراتها الخاصة ضمن الخارطة الدولية حسب مصالح الدولة المالية وقراراتها السيادية . ولكن مالم يضعه الحكام الجدد في الحسبان هو ان سيادة الدولة المالية جزئية وغير كاملة وتقف منذ النشأة على برميل بارود ، وأن كل ذلك من تدبير المستعمر الفرنسي وتخطيط منه ، ولذلك كان واضحا أنه بقدرما يحق للماليين مراجعة علاقاتهم بفرنسا ، بقدرما كان علىهم إدراك مدى قوة الوجود الفرنسي وتغلغله داخل النسيج المالي بشكل يجعل أي قرار للمواجهة مع فرنسا يتطلب تفكيرا أعمق وحكمة وتعقل ، هذا طبعا بغض النظر عن مشروعيته .
ومن المفارقات العجيبة أن الحكام في مالي اتخذوا إجراءات عاجلة وقاسية ومهينة أحيانا ضد الفرسيين ، مستعينين بالمليشيا الروسية ، ولكنهم قدموا الهدايا تباعا للخصم الفرنسي الجديد بشكل أقرب إلى الغباء أو عدم الجدية .
بدلا من السعي إلى تقوية الجبهة الداخلية في مواجهة الخصم الجديد (فرنسا) ، قرر الحكام فتح جبهات داخلية جديدة وإحياء تلك التي كانت على الصامت ، وبذلك أتاحوا فرصة ذهبية لفرنسا لدعم الأطراف ضد بعضعها وتمزيق الممزق .
بدلا من محاولة عزل الموقف الفرنسي في مالي دوليا ، أتاح الحكام لفرنسا فرصة الإستقواء بالمجتمع الدولي، وذلك حين اتخذ العسكريون قرارات متسرعة وقاسية ضد القوات الدولية والأوربية ، وهوماأتاح للدبلوماسية الفرنسية أن تقدم مالي على أنها دولة متمردة على النظام الدولي ، وبالتالي مشكلتها ليست مع فرنسا .
أشعل العسكريون الحرب العرقية في الشمال المالي ، وبالغوا في القتل والتشريد وتصفية القادة على أساس عرقي وكأنهم لا يدركون أن الذي يعيثون فيه تمزيقا هو جسد الدولة المالية ، وأن كل قذيفة أوقنبلة تفجر فيه تزيد الجرح المالي عمقا وتبعد آفاق الحل .
اتخذ القادة في مالي قرارات غيرودية اتجاه دول الجوار ، وذلك من خلال مواقفهم السلبية المبكرة من مجموعة دول الساحل الخمس ، وهو مايعتبر رسالة غير جيدة اتجاه الجارة موريتانيا ، التي تتعبر شريانا أساسيا للحياة الاقتصادية في مالي ، وشريكا لا يمكن تجاوزه في ما يتعلق بالأزمة المالية .
ثم يأتي قرار السلطات المالية الأكثر خطورة ، إلغاء اتفاق السلام ن وتبريره بمواقف سلبية من الجارة الجزائر ، في إجراء آخر ينضاف إلى سلسلة الأخطاء المالية . فمن نافلة القول أنه لامصلحة لحكام مالي اليوم في استعداء الجزائر .
وبالمحصلة فإن أمن مالي من أمننا وأمن شبه المنطقة ، خاصة موريتانيا والجزائر، وعلى قيادة البلدين وضع هذا الخطر في سلم أولوياتهما ، والعمل على إعادة الحكام في مالي إلى تحكيم العقل والمنطق في إطار تسيير أزمة بلادهم المستفحلة ، التي لاسبيل إلى تحييد ماتنطوي عليه من مخاطر أمنية ومصيرية لمالي أو ولشبه المنطقة ، إلا بالحوار والمصالحة الوطن