لماذا لم نتفاجأ من هذا الانتقام الثأري والكبير والسريع من حزب الله ، لاغتيال السيد العارورى ، ؟ . وكيف فرض شروطه على تطورات المرحلة المقبلة؟”وهل انتقل محور المقاومة الى تبنى الخيار الاول والاقوى؟
عندما اكد السيد حسن نصر الله أمين عام “حزب الله” في خطابه الذي القاه امس الجمعة ان اغتيال الشيخ صالح العاروري نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” وسته من رفاقه يشكل خرقا كبيرا وخطيرا للضاحية الجنوبية لا يمكن ان يمر، ولن يكون دون عقاب، وان القرار هو الميدان، كنا على ثقة بأن الرد الثأري قادم حتما، لان السيد نصر الله يقول ويفعل، ولكننا لم نتوقع ان يأتي هذا الرد الثأري سريعا وفي اقل من 24 ساعة.
استهداف قاعدة “ميرون” التي تقع على قمة جبل “الجرنق” أعلى قمة في شمال فلسطين المحتلة وتعتبر المركز الأكبر للمراقبة الجوية، وقصفها بـ 62 صاروخا يؤكد ان السيد نصر الله، والقادة الميدانيين في ساحات القتال، قرروا التصعيد، وتوسيع دائرة الحرب، والتأكيد بأن الحزب وقواته لا يقدم على هذه الخطوة الثأرية الاستباقية من منطلق التضامن مع المقاومين واهلهم في قطاع غزة، وانما أيضا في إطار “الدعم” و”المساندة” العسكرية.
كان لافتا ان السيد نصر الله عندما اكد في خطاب الامس (الجمعة) ان الرد سيكون وشيكا، وفوريا، ولن يتم استخدام عبارة “في الزمان والمكان المناسبين” التي تصيبنا باليأس والإحباط، كان يعني ما يقول، والأكثر من ذلك، انه لم يقل ما قاله، وابتسامة خفيفة على وجهه، الا بعد ان اصدر التعليمات بإطلاق الصواريخ الانتقامية للقادة الميدانيين بالتنفيذ.
الاختراقات الإسرائيلية الامريكية للحاضنة الأمنية والشعبية لمحور المقاومة تجاوزت كل الخطوط الحمر، وبدأت باغتيال السيد رضى الموسوي مستشار الشهيد قاسم سليماني في دمشق، وبعده تدحرجت باغتيال الشيخ العاروري في قلب الضاحية الجنوبية، وفي الأسبوع نفسه باغتيال احد أبرز قادة حركة النجباء في غارة صاروخية على مقر قيادة الحشد الشعبي في قلب بغداد، وأخيرا سقوط 100 شهيد في عملية انتحارية إسرائيلية في ساحة ضريح الشهيد سليماني في مدينة كرمان شاه في ايران.
هذه الجرائم “المتناسلة” ما كان يجب ان تمر دون رد سريع ومباشر من قبل دول محور المقاومة واذرعه لأنها هزت صورته، واظهرته بمظهر الضعيف في أوساط حاضنته الشعبية، وأعطت انطباعا بأن قادة المحور “انضبعوا” و”ارتدعوا” رضوخا للتهديدات الامريكية التي حذرت من أي توسيع لدائرة الحرب في غزة و”الا”، ولهذا جاء تكثيف الجناح العسكري لحزب الله لعملياته العسكرية في الجليل المحتل، وتهجير 230 الف مستوطن فيه الى الجنوب بحثا عن ملاذات آمنة بعيدا عن الصواريخ، وتكليلها بقصف قاعدة “ميرون” الجوية تبديدا فوريا لهذه الانطباعات، وتأكيدا بأن المحور، واذرعه، ما زال وسيظل، متمسكا بالخيار العسكري لمواجهة حرب الإبادة والتطهير العرقي في قطاع غزة، والرد بقوة على أي اختراقات إسرائيلية او أمريكية في العراق ولبنان وسورية والبحر الأحمر، مع التذكير بأن الرد الانتقامي لحزب الله على اختراق أمن الضاحية الجنوبية، والثأر لاغتيال الشهيد العاروري مجرد الخطوة الأولية، وان هناك ردودا قادمة في الطريق حسب البيان الصادر عن الجناح العسكري للحزب.
ان يتزامن هذا التصعيد للقصف الصاروخي انطلاقا من حزب لبنان، والآخر للقواعد الامريكية في سورية والعراق مع الزيارتين الخطيرتين للمنطقة اللتين يقوم بهما كل من انتوني بلينكن وزير الخارجية الامريكية، وعاموس هوكشتاين مستشار الرئيس الأمريكي جو بايدن لشؤون الطاقة، ومهندس اتفاق ترسيم الحدود البحرية اللبنانية “الإسرائيلية”، فهذه رسالة قوية تقول مفرداتها ان التصعيد العسكري هو الرد الوحيد والاقوى على هذه المجازر المشتركة الامريكية الإسرائيلية، ولن تكون هناك أي تهدئة في المنطقة الا بعد الوقف الفوري لإطلاق النار في قطاع غزة، وانسحاب كامل للقوات الإسرائيلية.
أمريكا لا يمكن ان تحصل على أي تهدئة في المنطقة طالما تؤيد استمرار حرب الإبادة في القطاع، وتعارض أي وقف لإطلاق النار، وتتحدى الاجماع الدولي في هذا المضمار، والاهم من ذلك انجرارها الى حرب في البحر الأحمر مع المجاهدين اليمنيين لا يمكن الا ان تخرج منها مهزومة مثخنة بالجراح، مما قد يجعلها تترحم على هزائمها في أفغانستان والعراق وفيتنام
عار على أمريكا التي تطلق على نفسها لقب زعيمة العالم الحر وحامية حقوق الانسان في العالم ان تدعم حرب إبادة وتقتل 23 الف فلسطيني، وتصيب 66 الفا آخرين نصفهم من الأطفال، وتدمير 86 بالمئة من منازل اهل القطاع لأكثر من ثلاثة أشهر دعما للمعتدي الحليف الأوثق لها، وعار اكبر عندما تشجع تهجير أبناء القطاع من الشمال الى الجنوب، ثم تحرض على قصفهم وقتلهم، وتبحث عن اوطان هجرة بديلة لهم في الخارج.
ما يستفزني والملايين مثلي في العالمين العربي والإسلامي هذه الوقاحة الإسرائيلية التي تتمثل في خطط ترحيل أبناء القطاع الى الكونغو، وروندا، وتشاد، وتوافق امريكا ودول أوروبية على رشوة حكومات هذه الدول لقبولهم في أراضيها، وما يستفزني أكثر هو صمت الحكومات العربية على هذا المشروع المهين.
حرب الإبادة في قطاع غزة التي تتم تحت عنوان القضاء على حركة “حماس”، لا يمكن وقفها الا باستخدام محور المقاومة كل ما في جعبته من قوة، لان هذه القوة، لو جرى استخدامها منذ اليوم الأول في مختلف الساحات، والتهديد جديا بتدمير دولة الاحتلال بالطريقة نفسها التي تدمر فيها قطاع غزة، لما استمرت هذه الحرب يوما واحدا، ولما استشهد هذا العدد الضخم من أبنائه واطفاله، ولجرى تلقين أمريكا وحلفائها الأوروبيين درسا لن ينسوه ابدا.
“العقلانية” لا تفيد مع هؤلاء المنفذين والداعمين لحرب الإبادة في القطاع، لان “اللاعقلانية” هي الأسلوب الأمثل والأنجع، والأكثر تأثيرا، و”حزب الله” اقدم على الخيار المشرف برده السريع على انتهاك سيادة ضاحيته وأمنها، وكل لبنان من بعدها، وفعل الأشقاء في العراق الفعل نفسه بإرسال صواريخهم الى القواعد الامريكية على ارض بلادهم وسورية، وها هم الاشقاء في اليمن يكبدون الخزائن الغربية بعشرات، وربما مئات المليارات من الدولارات، بإقدامهم على انتفاضتهم الصاروخية والمسيّراتية في البحر الأحمر وباب المندب
وكل لبنان من بعدها، وفعل الأشقاء في العراق الفعل نفسه بإرسال صواريخهم الى القواعد الامريكية على ارض بلادهم وسورية، وها هم الاشقاء في اليمن يكبدون الخزائن الغربية بعشرات، وربما مئات المليارات من الدولارات، بإقدامهم على انتفاضتهم الصاروخية والمسيّراتية في البحر الأحمر وباب المندب.
بلينكن الذي يتباهى بصهيونيته والذي يدعم وافراد عصابته الأخرى حرب الإبادة، ويتبنى استمرار الحرب، ومؤامرة التهجير يجب ان توصد الأبواب في وجهه اثناء جولته الحالية في المنطقة، واذا كان للدبلوماسية احكامها، ومن بينها استقباله، نأمل ان يكون التعاطي معه في العواصم التي سيزورها بالطريقة التي يستحقها، وان كنا نشك في ذلك.
المقاومون في قطاع غزة الذين صمدوا ثلاثة أشهر، ولم يخسروا الا اقل من 10 بالمئة من قوتهم، وما زالوا يملكون 200 بالمئة من ارادتهم، سينتصرون في هذه الحرب حتما، وسيرفعون رأس هذه الامة التي اذلها حكامها، قلناها منذ اليوم الأول، وما زلنا نصر على تكرارها.. والأيام بيننا.
عبد البارى عطوان