بعد 40 عاما قضاها بسجون إسرائيل.. يونس يروي ليلة الإفراج عنه التي تحولت الى عملية عسكرية ازدحمت تفاصيلها بالغموض

بعد 40 عاماً أمضاها الفلسطيني كريم يونس في السجون الإسرائيلية تحولت ليلة الإفراج عنه الخميس الماضي إلى ما يشبه عملية عسكرية ازدحمت تفاصيلها بالغموض والتحركات غير المعتادة في مثل هذه الحالات.

تفاصيل تلك الليلة التي كان الفلسطيني وعائلته ينتظروها منذ 4 عقود، يرويها كريم يونس الذي تجاوز عمره 66 عاماً، في مقابلة مع الأناضول من منزله في بلدة عارة شمالي إسرائيل.

** كأنها عملية عسكرية

ad

يقول يونس: “سلطات السجون الإسرائيلية حولت عملية الإفراج عني الخميس الماضي إلى ما يشبه العملية العسكرية (..) كان هناك شبه عملية إنزال على القسم (المحتجز فيه) وطلبوا خروجي فورا من السجن”.

“الوقت تقريبا كان قبل الفجر، أخذوني وكنت أتوقع أنهم سيسلمونني لشرطة المنطقة على أن يتم تحرري من مركز الشرطة”، يكمل الأسير المحرر.

ويذكر أنه: “جرت العادة أن شخصاً بمكانتي يتم تحريره من باب السجن، ولكنهم ربما أرادوا التنغيص على أهلي ومن الممكن أن تكون لهم مآرب أخرى”.

ويتابع: “أخذوني بالسيارة بشكل مستهجن ومستغرب، ففي كل 5 دقائق كانت السيارة تدخل إلى طريق جانبي ويتم تبديلها وكأننا في عملية عسكرية، ويبدو أنهم فعلوا ذلك لإثارة الرعب أو أمور أخرى في أذهانهم”.

ويضيف: “بعد كل ذلك لم أعلم أين وصلت، فقد أنزلوني في مكان ما وسلمني ضابط أماناتي وأعطاني بطاقة حافلة ووجهني بيده نحو موقف للحافلات، وقال لي: اذهب إلى المنزل وحدك”.

“كان الظلام يخيم على المنطقة، توجهت إلى محطة الحافلات التي كانت تبعد حوالي 100 متر، وهناك التقيت بعدد من العمال الفلسطينيين طلبت من أحدهم هاتفه النقال لأتصل بأهلي وعندما سمعوا اسمي، تجمعوا كلهم حولي وحاولوا إعطائي أكلهم وشربهم، ولكن اتصلت بأهلي وبعد نصف ساعة أتوا إلى المحطة”، يواصل يونس.

** “شعور غريب”

ومنذ الإفراج عنه يتدفق آلاف الفلسطينيين إلى منزله لمصافحته باعتباره الفلسطيني الذي أمضى أطول فترة اعتقال في السجون الإسرائيلية.

وكان يونس، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، دخل السجن وهو طالب جامعي عمره 26 عاماً، وبعد 4 عقود خرج من سجنه ليجد أن العالم تغير.

يقول: “الشعور الذي شعرت به كان غريبا وليس من السهل وصفه، عندما تخرج إلى عالم يختلف كليا عن العالم الذي تركته ينتابك شعور غريب ومختلف جدا”.

ويردف: “حاولت أن أشعر أنني فعلا أتمتع بالحرية، بمعنى أن تذهب حيثما وأينما ومتى ما تشاء، وتفعل ما تريد دون أن يلتفت لك أحد أو أن تسير دون أن يمشي معك أحد سواء أمامك أو خلفك مكبل اليدين والرجلين”.

ويوضح: “شعور لم أشعره منذ 40 عاما، لم أكن أرى الشجر والعشب الأخضر، كنا محرومين منه فلا ترى سوى الأسلاك الشائكة وأسلاك صدئة وأبواب حديدية وجدران اسمنتية، هذا ما كنا نراه واعتدنا عليه”.

وجد الرجل غرابة حتى بالمشي على الطريق المعبد بالأسفلت، ويعلق على ذلك: “أيضا أن تمشي على التراب أو الأسفلت هذا كله شيء غريب”.

ويضيف: “من الصعب أن أوصف شعوري بكلمات، لكن هو شعور إنساني، من الجديد أن يشعر المرء بحريته وإنسانيته بعد سنوات طويلة جدا من السجن”.

** “جيل كامل لا أعرفه”

ومع اصطفاف أبناء عائلته لمصافحته، وجد يونس جيل كامل من الأقارب الذين لم يلتق بهم من قبل وإن كان عرفهم من خلال الصور.

ويعلق: “كل إخوتي وأخواتي تزوجوا بعد دخولي السجن، وبالتالي جميع أبنائهم وأحفادهم – عائلتي الموسعة – لا أعرفهم، ولو صادفتهم بالشارع لما عرفتهم”.

ويبين: “للأسف فإن مصلحة السجون الإسرائيلية لم تكن تسمح بالزيارة إلا للأقارب من الدرجة الأولى وهم والداي وإخوتي وأخواتي فقط”.

ويتابع: “لم أعرف أبناءهم وأحفادهم إلا بعد خروجي من السجن، كنت أعرف أسماءهم وأراهم بالصور ولكن لم أرهم شخصيا ولم أتحدث معهم إلا بعد خروجي من السجن”.

** “ليس نهاية الحساب”

وبالنسبة للكثير من الإسرائيليين، فإن خروج يونس من السجن بعد 40 عاما خلف القضبان، ليس نهاية الحساب.

فقد داهمت الشرطة الإسرائيلية خيمة أقيمت لاستقبال المهنئين لأكثر من مرة بداعي وجود العلم الفلسطيني، فيما بدأ الكنيست الإسرائيلي بتشريع قانون يسمح بإبعاده إلى الضفة الغربية.

ويسمح القانون قيد الإعداد بسحب جنسيات وإبعاد معتقلين أو محررين حصلوا على مساعدات مالية من السلطة الفلسطينية.

ويقول يونس: “بدأت حملة التحريض حتى قبل خروجي من السجن، وحاولوا أكثر من مرة تبني قانون بطرد كل من يعمل ضد الإسرائيليين، وقد طرح هذا الأمر منذ فترة”.

ويضيف: “الحكومة الجديدة لربما هي الأكثر تطرفا وفاشية في تاريخ إسرائيل، وبالتالي فإن هذه الأمور ترتفع وتيرتها والتهديد يزداد، وأنا من أبناء شعبي ولست أنا الوحيد المهدد، كل أبناء شعبنا مهددين”.

ويستدرك: “شعبنا عظيم وما زال يقاوم التهجير والتهويد ويقاوم الطرد والتطهير العرقي منذ 100 سنة، واليوم هناك بين البحر المتوسط ونهر الأردن أكثر من 7 ملايين فلسطيني صامدين على أرضهم ثابتين وبهويتهم متمسكين ولن يخرجوا وإن شاء الله سائرين نحو انتزاع حقوقهم الشرعية في تقرير مصيرهم وإقامة دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس”.

وأشار على وجه الخصوص إلى تهديد وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، لإبعاده والتضييق على الأسرى في السجون الإسرائيلية.

** “أوضاع صعبة للأسرى”

ويرى المحرر الفلسطيني أن الفترة القادمة قد تشهد أوضاع صعبة للأسرى في السجون، ويكمل: “نقول إنها الحكومة الأكثر تطرفا في إسرائيل بسبب دخول هؤلاء الأشخاص المتطرفين (إلى الحكم) وأن يصبحوا وزراء”.

ويوضح: “المؤشر الأكبر على ذلك هو استلام بن غفير وزير الأمن القومي، بمعنى أنه مسؤول أيضا عن مصلحة السجون التي أصبحت منذ فترة أكثر سياسية وتأخذ منحى الوزير المسؤول”.

ويتابع بشأن بن غفير: “هو حتى قبل أن يستلم مهمته كان يهدد الأسرى بشطب حقوقهم وإعادتهم إلى سنوات السبعينات وأن يروا الشمس لمدة ساعة فقط يوميا، ولكن عزاؤنا أن الأسرى اليوم موحدين تحت سقف واحد وراية واحدة وهي القيادة العليا للأسرى لمواجهة هذا التحدي ومواجهة بن غفير”.

ويشير يونس إلى أن “الأسرى سيخوضون معركة للدفاع ليس فقط عن إنجازاتهم وإنما عن كرامتهم ووجودهم وحياتهم الكريمة، وسيصبح الأمر بالنسبة لهم مسألة حياة أو موت”.

وعن المستقبل الذي يراه لنفسه يقول: “كريم يونس مثل كل فلسطيني، لربما أنه تميز بأنه أمضى سنوات طويلة في السجن، رقم قياسي وسابقة في النضال الفلسطيني ولكنه واحد من هذا الشعب”.

ويكمل: “سأقوم بواجبي تجاه القضية وأنا على استعداد للاستمرار بالنضال لأنه لا تقاعد في النضال، وسيستمر إن شاء الله لدفع هذه الأمور بالاتجاه الصحيح”.

واعتقل يونس وهو على مقاعد الدراسة الجامعية في 6 يناير/كانون الثاني عام 1983، بعد أن وُجهت له تهمة “الانتماء إلى حركة فتح” المحظورة حينها، و”حيازة أسلحة بطريقة غير منظمة” و”قتل جندي إسرائيلي”.

وأصدرت محكمة الاحتلال العسكرية في مدينة اللدّ داخل منطقة 48 المحتلة حكماً بحقه بـ”الإعدام شنقاً”، وبعد شهر عدلت عن قرارها فأصدرت حكماً بتخفيف العقوبة من الإعدام إلى السجن مدى الحياة، والذي حدد لاحقاً بأربعين عاماً.

الأناضول

زر الذهاب إلى الأعلى